الأحد، 19 يناير 2014

يسقط يسقط حكم تروكسلر

ظاهرة تروكسلر Troxler هي الوهم البصري الذي يمس الإدراك البصري. عندما ننظر بثبات على نقطة معينة حتى لفترة قصيرة من الوقت و بتركيز شديد، سوف نجد ان كل شيء بعيد عن نقطة التثبيت يتلاشى ويختفي!  لكن هذا لا يعني عدم وجوده، بل نحن من اخترنا ان لا نراه،بالتركيز فقط على نقطة واحدة.

عندما بدأنا مبادرة "نادي سينما اللاعنف" في مقر اللجان الشعبية للدفاع عن الثورة بالإسكندرية، لم يوقفنا عدم اقبال المشاهدين، و العروض مستمرة إلى يومنا هذا، فما الغرض من هذه العروض؟؟؟
ما دفعنا لذلك ، و بشكل واضح ، عشوائية الحراك و الذي يغلب عليه العاطفة اكثر من العلم طوال السنوات الثلاث الماضية، و حيث اننا شعب لا يصبر على القراءة كثيرا ، فقد رأينا أن الأفلام قد تكون بديل جيد للكتب لفترة، بل من المتصور ان تدفع المتابع لنا و المشاهد لمكتبة أفلامنا للبحث و القراءة بشكل غير مباشر.
و بعد انتشار ثقافة العنف و تزايدها في المجتمع، كنتيجة لاستمرار المنهجية القمعية للسلطة، التي لا تعدو كونها مجموعة أفراد من نفس هذا المجتمع، وجدنا انه من واجبنا محاولة كسر دائرة العنف بشكل مباشر عن طريق الأفلام الوثائقية أو الدرامية التي تجسد ملاحم الكفاح و النضال السلمي و آلياته عند مختلف الشعوب، و توضح كذلك ويلات التطاحن البشري و الحروب لمن لم يعاصرها.
و لم و لن نجعل احد اهدافنا، نقل تجارب بذاتها، و لكن الاستفادة من تلك التجارب من خلال مناقشات بعد كل عرض، لنرى ما يمكننا الاستفادة منه في وطننا الغالي مصر.
ما دفعني لكتابة هذا المقال، ما لاحظته من اقبال عجيب على مشاهدة فيلم "الميدان" للمخرجة  المصرية الأمريكية جيهان نجم، و المرشح للأوسكار، و لن اناقش هنا الفيلم و توجهاته، و لا ادعو لعدم مشاهدته. لكن ما جدوى ان يشاهد كل منا فيلم يحكي عن تجربته الذاتية، و لا يهتم بمشاهدة ما يحدث حوله في العالم ليصقل خبراته و تجاربه، ليبحر بها للمستقبل؟؟؟ و ما معنى اهتمام مجموعات شبابية و مراكز ثقافية و سياسية بعرض الفيلم و الحشد لذلك، في حين ان عرض فيلم "غاندي" ، بأحد تلك المراكز ،لم يحضره غير مشاهد واحد ، بينما اغلق من يعملون به على أنفسهم الأبواب ، غير مكترثين بالعرض؟
"الذين ينظرون للماضي و الحاضر فقط، بالتأكيد لن يشاركوا في المستقبل" – كينيدي
لابد ان ننظر لماضينا و كل ما قمنا به على المستوى الشعبي و الوطني اولا، ثم على المستوى الشخصي ثانيا. و لكن لا تطيلوا النظر ، فتفقدوا طموح التطلع للمستقبل و تقعوا في فخ التشكك من كل شيء قادم ، لتصبحوا أسرى الماضي و الحاضر فقط. فالعبرة و العظة ، نأخذها من تجاربنا و تجارب من سبقنا، و الحاضر ترجمة لذلك، أما المستقبل، فيمتلكه فقط من يدرس و يتعلم و يعترف انه فشل في عدة تجارب، لكنه لا يتوقف عند تجاربه، بل يدرس كيف تتطور الشعوب ليضع تصورا شاملا لعلاج ولو قضية واحدة في وطنه.
نعم، نحن نتاج ماضينا جميعا، لكن هذا لا يعني أن نبقى سجناء في زنازينه.
و كما قال شكسبير في ماكبث: المشكلات التي لا نستطيع ان  نعالجها بشكل كلي، لا تستحق الوقوف عندها: ما قد حدث، قد حدث"
شاهدوا الفيلم و استمتعوا به، لكن لا تستسلموا لتوجهاته، ليحرككم كما ترى مخرجته، بل اجعلوا من الشعب محرككم الأساسي. لقد علمتم هذا الشعب الثورة في يناير 2011، و قد انتقلت اليه بالفعل، فاتبعوه الآن، فهو قائد الثورة المفقود، و هو لا يحتاج "ضمير" من وجهة نظري كما يقول الفيلم في نهايته، لكنه يحتاج للتوحد بعد ان تشتت و تفرق...و قد ثبت تاريخيا بطبيعة شعبنا، اننا نتوحد في حالة الكوارث و الحروب، أو حول المشروعات القومية....أو ، في النهاية، حول من يتوسم فيه الشعب الزعامة...
و حيث ان الشباب الثوري الوطني لم و لن يتمنى الدمار و الكوارث لنتحد، فيتوجب عليه، العمل على التوحد مع الشعب مجددا من خلال مشاريع قومية ، بعد ان انفصل عنه في الإستفتاء الأخير. و إلا، فلا تلوموا الشعب على اختيار السيسي رئيسا في حال ترشحه، او اختيار من تدعمه المؤسسة العسكرية في حال عدم ترشحه .
ليكن ماضينا مثل الشمس التي تسطع من خلفنا، لتنير لنا الطريق أمامنا....النظر لقرص الشمس طويلا و بدون نظارة مستقبل نحمي بها اعيننا، حتما سيصيبنا بالعمى، و عندها سنفقد القدرة على رؤية أي شيء.
سعيد عز الدين في 19/1/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق