الخميس، 20 مارس 2014

دائرة العنف

لن نستطيع كسر دائرة العنف إلا إذا فهمناها و تعرفنا على مكوناتها، و لن يستطيع كسرها إلا من يمتلك القدر الأكبر من الشجاعة.
تبدأ تلك الدائرة بمرحلة تنامي الشعور السيء تجاه المجتمع، و يمكن ان يرجع ذلك لأسباب عديدة...إما صراع طبقي أو سياسي أو مشاكل اقتصادية، أو مشاكل تعرض لها المعتدي في صغره أو شبابه، أو فقدان القدرة و بالتالي الرغبة في تحقيق الذات بشكل سوي. 
الخطوة الثانية في دائرة العنف، هي ترجمة الشعور السيء، لسلوك انتقامي، او استعراضي في محاولة لإشباع نقص ما أو للإنتقام من الآخرين. 
و تأتي المرحلة الثالثة، مرحلة التبرير، و التي يتفنن فيها المعتدي لتبرير سلوكه العدواني، و يلقي باللوم على كل من حوله في هذا الموقف و ينكر أي خطأ وقع  هو فيه، و في الأغلب و الأعم أنه يجد أيضا من يبررله أفعاله استنادا لقضية أخرى منفصلة نوعا ما، فيما يعد حالة من حالات تحويل الصراع.
و إذا نجحت عملية التبرير، سيقودنا هذا للمرحلة الرابعة و الأخيرة في دائرة العنف، و هي مرحلة تجاهل كل ما حدث و محاولة التصرف بشكل طبيعي، من الطرفين، الضحايا و المعتدين... و هذه المرحلة هي أخطر مرحلة، و هي التي تمهد الطريق لتجدد الإنتهاك مرة بعد مرة، و كلما تكررت تلك الدائرة، كلما احتاج الأمر لتدخل طرف ثالث للمساعدة في كسرها ووضع حد للإنتهاكات.
دائرة العنف يمكنها أن تغطي فترة طويلة أو قصيرة من الزمن. في كثير من الأحيان، كلما استمرتكرار هذا النمط، تزداد حدة العنف و كلما أصبحت الاعتداءات أيضا أكثر خطورة.
في كثير من الأحيان، يصبح الضحايا محاصرين في دورة من العزلة عن الأسرة والأصدقاء. الضحية قد تشعر بالخجل من المجتمع ككل،و قد يستطيع المعتدي أيضا الحد من تواصل الضحية مع العائلة والأصدقاء بشكل أو بآخر. بهذه الطريقة، تدور حياة الضحايا في فلك المعتدين فقط!! ، و يقل بشكل تدريجي من حولهم عدد الأشخاص القادرين على المساعدة.
و لكن ماهي طباع المعتدين؟؟ لابد لنا أيضا من فهم ذلك، إذا أردنا وضع حد لممارساتهم:
-          ربما يكون المعتدي قد شهد سوء معاملة أو ربما تعرض للاعتداء عندما كان طفلا
-          غيور و لديه رغبة شديدة في تملك كل ما يحيط به - غالبا ما يتصور المشاكل لدى الآخرين فقط ، و يكره عادة العلاقات المترابطة بين المجموعات و الأفراد في المجتمع.
-          سيء المزاج – يشتعل غضبا أمام أي مشكلة صغيرة، و تصرفاته ليست محسوبة
-          يقلل من خطورة سوء المعاملة أو قد ينكر ذلك تماما
-          يحاول الظهور بشخصية ساحرة و مبهرة أمام المجتمع ، بينما ينتهك الضحايا في الخفاء، أو ينكر أفعاله
-          لديه أفكار جامدة لأدوار الرجال والنساء
-          يحاول عزلك عن من يحيطون بك - يثبط همتكم دائما إذا ما اردتم التشبيك مع مجموعات أخرى أو أفراد آخرين في أي عمل مشترك، بل و يحاول التشكيك في نواياهم. كما يحاول أن يثنيك دائما عن أي فرصة لتعلم أي شيء جديد.
-          يحاول السيطرة عليك - يخبرك ما ينبغي عمله و بالتالي يوجه فكرك في مسارات محددة، هو الذي حددها
-          عادة بعد أي إعتداء جسيم، يعتذر المعتدي، و يظن أن رصيده لديك يسمح، و يتعجب جدا إن لم تسامحه فور إعتذاره !
و الآن، فلتسأل نفسك، هل المعتدي على استعداد لتغيير؟ 
اسأل نفسك ... 
هل اعترف المعتدي بإنتهاكاته من دون إلقاء اللوم على أي طرف آخر؟ 
هل يدرك المعتدي أثر سلوكه السيء الذي قد يمتد لما هو أبعد من إلقاء القبض عليه أو سجنه؟ 
هل تفهم المعتدي مدى الضرر الذي وقع على الضحايا وكيف تأثر المجتمع ككل بنتيجة أفعاله؟ 
هل يستمع المعتدي للنصح أم إنه يستمر في الإنفعال كلما نصحه أحد و يزداد غضبا؟
هل يستمر المعتدي في إلقاء اللوم على الضحايا على أفعاله تجاههم؟ 
خلاصة القول، أن تعديل سلوك المعتدي يبدأ منه شخصيا، و حينها فقط، ستجد إجابات بناءة لديه على الأسئلة السابقة، و سيستعيد المجتمع الثقة به. 
ما أود أن أختم به هذا المقال، هو لفت نظر حضراتكم إننا ما زلنا نعيش تحت سيطرة عقليات القطعان. فأفراد القطيع، لا يغامرون بقرارات أو أفكار فردية، تخرج عن الفكر الجمعي لقطيعهم...و لدينا أمثلة كثيرة على القطعان في المجتمع المصري، فهناك قطعان النزول للشارع تحت أي مسمى، و هناك قطعان مواجهة من ينزلون للشارع و لا أعني الأجهزة الأمنية فقط، فهم في النهاية جزء من المجتمع و يعانون من نفس أمراضه، و أخيرا هناك قطعان تتحرش ببناتنا!!! أناشدكم في النهاية، أن تخرجوا من قيود عقلية القطيع، و لنسلك سلوك الأنبياء و الصالحين، و نحاول أن نبعد قليلا خارج دائرة الأحداث كما كانوا هم يتسلقون الجبال، طلبا لصفاء الذهن و وضوح البصيرة، ليتمكنوا في النهاية من الوصول للحقيقة الخالصة...و التي من خلالها فقط، تبنى الأمم و الحضارات.

بقلم: سعيد عز الدين  في 20/3/2014

الأحد، 9 مارس 2014

جابلنا فرج

بعد نضال مستمر في الشهر العقاري فرع محرم بك بالإسكندرية، دام لما يزيد عن أسبوع، نجحنا و الحمد لله أنا و زوجتي العزيزة في انتزاع حقنا في إثبات تاريخ عقد إيجار!!!
بدأت قصة كفاحنا في الأول من شهر مارس عام 2014، عندما صمدنا في طابور إثبات التاريخ لما يقرب من ثلاث ساعات متواصلة ، على أمل حضور الموظفة المسئولة.....لكن هيهات، فقد خرج علينا كبير الموظفين يومها ببساطة ليخبرنا أنها قاربت على سن التقاعد و تستهلك ما تبقى لها من رصيد إجازات... و لا بديل عنها!!
و تشاجر بعدها بعض المواطنون مع مدير المكتب الذي لم يوفر بديلا، و طلب منا التوجه للمكتب الرئيسي بالمنشية للشكوى إن أردنا ذلك....
و لا استطيع تجاهل كلمات الحاج عادل – كبير الموظفين- يومها و هو يصيح في وجهي عند سؤالي عن بديل لتلك الموظفة:
 " امال احنا كنا عاملين اضراب ليه يا أستاذ؟؟؟ مش علشان الفلوس، علشان معندناش موظفين....فالحين بس يمسكوا الميكروفونات و يقولوا حرية و ديمقراطية و ثورة معر(ض)ة.....أنا ليه أعمل خمسين حاجة في اليوم، و أنا متعود أعمل عشر حاجات بس، و بعدين انت كمان حتمشي أسرع !!!"
و هكذا ، انصرفنا في هذا التاريخ، دون إثبات التاريخ!!!
طوال الأسبوع التالي، ظل شباك إثبات التاريخ خالي، و وحيد، كأنه يودع تلك الموظفة العظيمة التي لم تفارقه لسنوات طويلة، إلا في الأعياد أو الإجازات أو للإنتقال لزميلة أخرى لتذوق ما أعدته من سندوتشات لذيذة أو لمشاركتها في حديث ودي مع الشاي.... أو طبعا للذهاب للحمام.
عند عودتنا في يوم السبت الموافق 8 مارس 2014، كانت دهشتنا عظيمة، فالموظفة لم تحضر كالعادة، و المدير ايضا لم يحضر، و ظل المواطنون خارج مكتب الشهر العقاري لما بعد التاسعة صباحا، لكنهم حرصوا و بوعي جمعي على إعداد قوائم بأسماء طالبي الخدمات المختلفة من مكتب الشهر العقاري، بشكل حضاري و منظم، لتقديمها لموظف الشباك مع بداية العمل في المكتب.
دخلنا أخيرا، و ذهب كل منا للشباك الذي يأمل أن يحصل على الخدمة من خلاله، في شوق و لهفة، و خاصة من يرغبون في خدمة إثبات التاريخ....و كالعادة لم نجد الموظفة و طال انتظارنا لها، ليبدأ الحاج عادل في التحجج بنفس الحجج...كما حرص على اخبارنا أنه لن يعمل اليوم بعد أن جاء مجبرا من إجازته!! و كأننا سبب كل الكوارث في المكتب.
حاولت مناقشته بالمنطق، موضحا أن مكاتب الشهر العقاري بها تكدس منذ فترة طويلة و فرصة خروج بعض الموظفين على المعاش، ستتيح للباقي زيادات في المرتبات على أن يقوموا بعمل أكثر قليلا.....لكنه رفض كالعادة الفكرة، و تمسك بما وجد عليه الآباء و الأجداد من عمل، دون أدنى رغبة في تغيير أسلوب عمله و طبيعته، لتحسين وضعه.
و عندما فاض بي الكيل، صحت في الجميع لدعوتهم للذهاب معي لقسم شرطة محرم بك، لعمل محاضر بامتناع الموظفين عن العمل، و استجاب البعض، و ذهبنا للقسم بالفعل....
و هناك وجدنا المأمور، جالسا خارج القسم  يقرأ الجريدة، تحت الشمس الظريفة و خلف أجولة الرمال المحيطة بالمبنى، و التي كونت فناء خارجي صحي و هاديء، خاصة أن السيارات ممنوعة من المرور أمام القسم.
توجهت إليه فورا بالحديث، موضحا أننا أتينا للإبلاغ عن إضراب جزئي في مكتب شهر عقاري محرم بك.
أمسك بهاتفه المحمول، و طلب الأستاذ فرج، مدير المكتب شخصيا، و الذي إعتذر له عن عدم وجوده بالمكتب موضحا أن الأستاذ ممدوح ينوب عنه، و نفى امتناع الموظفين عن العمل. فطلب منه المأمور إبلاغ الأستاذ ممدوح بأن هناك من سيأتون إليه مجددا، ليتم لهم ما يريدون من خدمات....
إنتهت المكالمة، و طلبت من المأمور إثبات واقعة الإضراب الجزئي، لكنه امتنع و رفض ما نقوله....فقد اتى لنا بفرج على الهاتف، و الذي نفى ذلك تماما، و لم يكتفي بذلك بل صاح في وجهي قائلا:" مش كفاية بتكلم على حسابي علشان اخلص الموضوع؟؟؟ و بعدين إثبات حالة ايه؟؟ عايز تعمل محضر اتفضل !!!"
و بناءا على طلب من كانوا معي من جمهور المواطنين، عدنا لمكتب الشهر العقاري للسؤال عن أستاذ ممدوح....لكنه أنكر نفسه !! و زعم أن "أستاذ ممدوح إجازة!"....لكن المفاجأة اننا وجدنا أستاذ عادل يعمل بهمة و نشاط، و وجدنا موظفة إثبات التاريخ خلف شباكها العزيز، تعمل و هي تتمتم بعبارات ساخطة و غير مفهومة...ووجدنا وجوه المواطنين العابسة تحولت للإبتسام و هم يتغامزون فيما بينهم:
" هما كده، لازم يشتغلوا بالكرباج!!!"
و برغم سعادتي بالورقة المختومة و التي حصلنا عليها في النهاية بعد كفاح لما يزيد عن أسبوع، إلا إني حزنت جدا لما يحدث في مجتمعنا، فكرباج المجتمعات المحترمة هو القانون و القانون فقط، و ليس أبدا تليفون المأمور لفرج لكي يتحايل على إثبات فساد مؤسسي نظرا للعلاقة الشخصية بينهما...
بقلم: سعيد عز الدين   في 9/3/2014