الأربعاء، 8 يناير 2014

طاعون التظاهر

اخشى ان يصيب الوطن مع الوقت طاعون التظاهر اللانهائي و الذي لن يتوقف قبل القضاء على كل من يمتلك شجاعة مواجهة الظلم و القهر و القمع السلطوي.
التظاهر يا رفاق ليس إلا اداة من ادوات الاحتجاج، له اساليبه و اوقاته كما ان له ايضا نواهي استعمال.
و لعل حالة اصرار السلطة اليوم على افتعال مسببات تظاهر هي في حد ذاتها احد اهم موانع الإستعمال. فقانون قمعي يمنع التظاهر بدلا من ان ينظمه، و يتفنن في تفنيد كيفية عقاب المتظاهرين الخارجين عن حدوده، و لا يذكر لنا كيف سنعاقب الشرطي المتسلط و القمعي المتجاوز ايضا لحدوده ، يعد احد اهم المسببات.
و من المسببات الأخرى للتظاهر، دفع السلطة بشخص مثل عبد الرحيم علي ، ليخالف على الهواء مباشرة المادة 309 من قانون العقوبات و التي تنص  في جزء منها على انه :" انه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد علي سنة كل من أعتدي علي حرمة الحياة الخاصة للمواطن ، وذلك بأن يكون أرتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجني عليه :استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون . التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص"
و نجد ايضا من ضمن مسببات التظاهر السلطوية، تمرير مادة المحاكمات العسكرية للمدنيين في الدستور الجديد. و عودة زوار الفجر لبيوت الطلاب بشكل عشوائي إلى جانب اعتقال مؤخرا من جاهر بتوزيع منشورات لرفض الدستور!
فلماذا اذن تدفعنا السلطة للاحتجاج بالأسلوب الذي تمنعه؟
لنفهم ذلك سويا ، دعوني اروي لحضراتكم قصة "طاعون الرقص".
كان الطاعون الرقص في عام 1518 م ، عندما حدثت حالة من هوس الرقص في ستراسبورغ، الألزاس (التي كانت جزءا من الإمبراطورية الرومانية المقدسة) في يوليو  1518. فقد استمرعدد كبير من الناس في الرقص لعدة أيام دون راحة. بدأ انتشار المرض في يوليو 1518 عندما بدأت سيدة تدعى فراو تروفيا بالرقص بحماس في شارع في ستراسبورغ. واستمر ذلك ما بين 4إلى 6 أيام. في غضون أسبوع، كان 34 آخرين قد انضموا لها وفي غضون شهر، كان هناك نحو 400 من الراقصات. بعض من هؤلاء الناس مات في نهاية المطاف من النوبات القلبية والسكتة الدماغية، أو الإرهاق.
الوثائق التاريخية، بما في ذلك مذكرات طبيب، خطب الكاتدرائية، سجلات محلية وإقليمية، وحتى المذكرات الصادرة عن مجلس مدينة ستراسبورغ اوضحت ان الضحايا استمروا بالرقص لسبب غير مفهوم حتى الوفاة.
مع تفاقم طاعون الرقص، سعى النبلاء بعد نصيحة من الأطباء المحليين، الذين استبعدوا كون الظاهرة لأسباب فلكية وخارقة، حين اعلنوا ان الطاعون مرض طبيعي بسبب ما اسموه "الدم الحار". ومع ذلك، بدلا من ايجاد علاج لهذا النزيف المستمر، شجعت السلطات الرقص أكثر و أكثر، عن طريق فتح قاعتين نقابيتين وسوق للحبوب، حتى انهم اقاموا منصة خشبية لضمان استمرار الرقص. فعلت السلطات هذا لأنهم يعتقدون أن الراقصات سيتعافين فقط إذا رقصن بشكل مستمر ليلا ونهارا. و لزيادة فعالية العلاج، دفعت السلطات بالموسيقيين للحفاظ على استمرار تلك النكبة!
أيها السادة العظام، منذ 1915 و حتى مسيرة الملح في 1930 ، كان غاندي في الهند يستغل السكك الحديدية التي صنعها المحتل ليستغل موارد وطنه، لنشر أفكاره و لحشد ابناء وطنه تحت مظلته الفكرية، و قد نجح. فالتاريخ يذكر غاندي و لايذكر من كانوا يفجرون القطارات في الهند في ذلك الوقت بزعم انها من صنع المستعمرين.
أنا ارفض قانون التظاهر مثلا لأسباب عديدة، لكنني لن اخالفه لأعطي الفرصة لمن في السلطة ليجعلني "استمر في الرقص" حتى الموت.
 فقد اذهب لأخذ موافقة السلطات على وقفة احتجاجية مثلا باسم " قرب قرب ...ياللا نسرب" للمطالبة بالمساواة في التسريبات بين النشطاء و رجال مبارك و الحزب الوطني و الإخوان و غيرهم . و لن يهمني المكان و لا الزمان وقتها ، و ستكون السلطة مطالبة بحمايتي و تأمين الوقفة!!!! فهل ستمتلك السلطات الشجاعة لمنحي تلك الموافقة؟ ام سيخافون ؟
نعم، نستطيع استخدام ادواتهم، لنقدهم بها، و لإظهار الأهداف الخفية من وراء مثل تلك التشريعات...لكنني لا اريد ان يفقد وطني طاقات مخلصة، اشرقت على البلاد بأمل جديد في 25 يناير 2011، مثلما فقدت فرنسا راقصين و راقصات، كانت لديهم القدرة على توفير البهجة المستدامة للفرنسيين لو كانوا اكتفوا بالرقص لأوقات محددة و بأعداد صغيرة في كل شوارع فرنسا، بدلا من التكدس في مكان واحد و مواصلة الرقص حتى الموت!!  
هناك اساليب اخرى للإحتجاج.  الإحتجاج الذي يعتمد على الفكر اكثر منه على التعاطف... و على كسب الجماهير بدلا من ارهاقها و التهكم عليها بل و سبها في بعض الأحيان و نعت المواطنين بعدم الإحساس و الخسة و غيرها من الخصال المنفرة للصغير قبل الكبير .
في النهاية ، لا اريد ان يصبح تاريخ 25 يناير من كل عام، ذكرى طاعون، بدلا من ان يكون ذكرى بداية ثورتنا المستمرة.

بقلم: سعيد عز الدين في 8/1/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق