الاثنين، 18 أبريل 2011

جانب من ثرواتنا الطبيعية

د. نبيل الخواجه
من قدامى العاملين بقطاع البترول بالكويت ومصر سابقا

دأبت الحكومات المتعاقبة طوال حكم الرئيس السابق كما دأب هو على وجه الخصوص بمعايرة الشعب بكلمات مثل " هجيب لكم منين" وبالسخرية " أنتم بتخلفوا وإنتوا بتزيدوا " وأننا بلد فقير ومحدود الموارد مما تسبب فى تيئيس الشعب وإحساسه الدائم  بأنه لا مستقبل لهذا الوطن ولا أمل لأى شاب فى بلده الفقير المدين داخليا وخارجيا وزاد الإحباط لدرجة هجرة الشباب فى مغامرات بحرية محفوفة بالمخاطرقد تنتهى بالموت لمجرد الهروب من بلده 

 وساعد على ذلك الإعلام الحكومى والمستقل سواءا بقصد أو بدون قصد لدرجة أن أحد الإعلاميين البارزين - الذين لا نشك فى وطنبتهم - تساءل هل ستعلن مصر إفلاسها؟
لكن بعد أن تكشف الفساد الذى إستشرى وظهر حجم الثروات المنهوبة وأصبح رقم المليار دولار من الأرقام العادية فى قاموس أثرياء الفساد حق لنا أن نتساءل هل مصر فقيرة فعلا ؟ هل مواردها فعلا محدودة؟ وللإجابة على هذه الأسئلة المشروعة سأعرض لبعض العناوين الرئيسة التالية:

اولا: الطاقة الهيدروكربونية (البترول والغاز) – تم الأعلان عن تقرير أعدته هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية عن نتائج دراستها لبرنامج شامل لجميع الكميات الممكن إستخراجها من جميع الاحواض البحرية الهامة حول العالم وجاءت نتائج الدراسة تؤكد أن حوض دلتا نهر النيل والظهير البحرى لها من البحر الأبيض هى أكبر التقديرات على مستوى العالم، وجاء تقدير المخزون كالتالى:

إحتياطى البترول = 1,8 بليون برميل قابل للإستخراج
أحتياطى الغاز = 223 ترليون قدم مكعب ( للعلم كانت أحسن التقديرات التى أعلنها الوزير السابق منذ سنتين 32 ترليون قدم مكعب وكان الكثير يشككون فى صحة هذا الرقم)
إحتياطى الغاز الطبيعى السائل = 6 بليون برميل
كما أشارت دراسة أخرى لنفس الجهة الى أن الإحتياطى القابل للإستخراج من البحر الأحمر كالتالى:
إحتياطى البترول = 5 بليون برميل
إحتياطى الغاز = 112 ترليون قدم مكعب

وللتأكد من هذه الأرقام يرجى الرجوع الى الرابط رقم 1 لكلا البحرين ورقم 2 لتفاصيل و الخريطة التوضيحية لمخزون البحر الأبيض
والسؤال هنا لماذا لم يعلن عن هذه الأرقام محليا للشعب؟ لقد سألت هذا السؤال لأحد الأصدقاء وأجاب بانه ربما تم تأجيل الإعلان من النظام السابق لحين موعد التوريث ليكون داعما لحملة الوريث  ويمكن أن يكون هذا تفسيرا صحيحا والله أعلم

هذا وقد بدأت فعلا شركة برتش بتروليوم (ب ب ) بالعمل فى هذه المنطقة بعد توقيع العقد مع وزارة البترول فى 19 يوليو 2010 وسيتم الإنتاج من هذا المشروع الذى يهدف الى إستخراج 5 ترليون قدم مكعب بواقع بليون قدم مكعب يوميا فى عام 2014 . يرجى الرجوع الى الرابط رقم 3 وهو موقع شركة ( ب ب) لمعرفة المزيد حول هذا المشروع وكذلك الرابط رقم 4 الخاص بقناة الجزيرة حول نفس الموضوع

إن هذه الإكتشافات كما قال السيد تونى هيوارد رئيس شركة (ب ب) ستفتح المجال للإستفادة من إمكانيات حوض دلتا النيل التى ستلعب دورا هاما فى مواجهة تأمين إحتياجات الطاقة إقليميا لعقود طويلة مستقبلا

ثانيا: الطاقة الدائمة (الى يوم القيامة) - وهى الطاقة الشمسية، حيث يجرى الآن الإعداد لمشروع ضخم فى أوروبا لتوليد الطاقة الكهربائية فى مناطق محددة فى شمال أفريقيا ونقل هذه الكهرباء الى أوروبا عن طريق كوابل بحرية - يرجى الرجوع الى الرابط رقم 5 - لمعرفة تفاصيل المشروع والتى ملخصها أنه تم  تكوين كونسرتيوم من شركات اوروبية تقودها الشركات الألمانية لعمل هذا المشروع الذى سمى ديسر تك (أى تكنولوجيا الصحراء) ويهدف المشروع الى توليد الكهرباء من الطاقات الطبيعية كمحطات الطاقة الشمسية ومزارع طواحين الرياح وستكون أول مرحلة هى ما يسمى بمشروع إيو مينا ( وهى إختصار للأحرف الأولى الإنجليزية لكلمات اوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا) وسوف يقام هذا المشروع على مساحة 17 الف كم مربع وستكون حصة مصر من هذا المشروع 11 محطة طاقة شمسية بالإضافة الى محطة توليد رياح واحدة. وسينفق على المشروع 400 بليون يورو وسيستمر المشروع حتى عام 2050 كما سيتم عمل التصميم النهائى الذى سيشمل الأمور الفنية والإقتصادية عام 2012 وهنا نتساءل أين نحن من هذا المشروع؟ لا بد من المسارعة فى التفاوض مع هذه الشركات ليكون لنا دورا فاعلا فى إقامة المحطات التى على أرضنا والمحيطة بنا حتى نستطيع إكتساب الخبرات الكافية لإنشاء محطات طاقة شمسية أخرى خاصة بنا إضافة الى محطات هذا المشروع لعلنا نستعيض بمحطات الطاقة الشمسية عن مشروع الطاقة النووية الذى أرى ومعى الكثيرون بأن سلبياته أكبر بكثير من إيجابياته، فلو إستخدمنا نفس التمويل الذى سيخصص للطاقة النووية فى إنشاء محطات طاقة شمسية لأمكننا الإعتماد على أنفسنا فى إنشاء هذه المحطات مما سيخفض التكلفة كثيرا بدلا من الوقوع أسرى مالكى التكنولوجيا النووية بصورة مستمرة .

إن الكثير من الدراسات أوضحت أن مصر تقع فى حزام سطوع الشمس (أكثر من 300 يوم فى السنة شمس ساطعة) والأولى لها أن تستفيد من هذه الميزة النسبية فى توليد الكهرباء من الشمس بدلا من المحطات النووية والتى بدأت دولا كثيرة فى أوروبا فى تقليص الإعتماد عليها والتحول الى الطاقة الشمسية (التى ليست لديها) وذلك بعمل مشروع مثل ديسرتك هذا، خاصة بعد ما وقع فى اليابان من تسرب الإشعاع من المحطة النووية التى تأثرت بالزلزال والتسونامى.

ثالثا: البشر (طاقة غير ناضبة ومتزايدة إن البشر الذين عايرنا النظام السابق بكثرتهم هم نفسهم نقطة القوة التى نستطيع بها تحقيق نمو إقتصادى هائل، ولدى من واقع معرفتى المباشرة مثلين يثبتا إمكانية تحقيق نمو إقتصادى أولهما تجربة شركة إنبى التابعة لقطاع البترول والتى بدأت فى نهاية السبعينيات كشركة صغيرة مشاركة بين الهيئة المصرية العامة للبترول وشركة أمريكية للعمل فى مشروع من مشروعات الهيئة وكانت الشركة تسمى برون إيجيبت، وعندما إنتهى المشروع قررت الشركة الأمريكية صاحبة الخبرة الإنسحاب من هذه الشراكة حيث ان اسعار البترول فى هذا الوقت أصبحت متدنية للغاية ووصلت الى أقل من عشر دولارارت للبرميل، بمعنى أن
إقامة المشروعات فى هذا الوقت تباطأ كثيرا فوجدت أنه لا جدوى من الإستمرار فى مصر، فأرسلت الهيئة أحد مديريها ليقوم بتصفية الشركة، ولكنه عندما أطلع على ما قامت به الشركة فى تنفيذ المشروع وما تحصل عليه المهندسون المصريون من خبرة جديدة فى هذا المجال إقترح أن تستمر الشركة بإسم جديد وكان هو إسم إنبى وهو إختصار لشركة هندسة البترول والصناعات الكيماوية (إختصار الحروف الإنجليزية المكافئة – أنظر الرابط رقم 7) وكان رأس مالها فى ذلك الوقت 350 الف جنيه (نصف مليون دولار بالسعر الرسمى للدولار فى ذلك الوقت وهو 70 قرشا) وكان الرجل وطنيا مخلصا ومحبا للعمل والإنجاز.

 وأخذت الشركة فى الحصول على مشروعات صغيرة من شركات البترول المصرية وعندما إلتحقت بها فى منتصف الثمانينيات كمسئولا عن دراسات الجدوى الفنية والإقتصادية كانت قد تطورت كثيرا حتى أصبحت تتعامل مع المشروعات الكبيرة بنظام تسليم المفتاح وأصبحت الآن من كبار اللاعبين فى مجال الهندسة والمقاولات على مستوى العالم حيث بلغت نتائج أعمالها فى آخر تقرير لها عن عام 2009 مبلغ ثلاثة مليارات وأربعة مائة وتسعون جنيها – أنظر الرابط رقم 7 الخاص بالتقرير السنوى لشركة إنبى عن عام 2009- وحققت أرباحا بلغت 559 مليون جنيه بعد خصم الضرائب وكانت ربحية الجنيه المستثمر فى البشر (عوائد الأرباح مقسومة على الرواتب) 2,4 جنيه لكل جنيه أى بنسبة 240% فى السنة وهوما لا يحققه أى إستثمار مشروع بأى حال، ولكن هذه هى نتيجة الإستثمار فى البشر الذين ينتجون الفكر والإبداع .

و الآن وبعد إثنتين و ثلاثون عاما من إنشائها فإنها تقوم بإنشاء المشروعات بجميع أنواعها فى مصر وسوريا والإمارات والسعودية وقطر وعمان والأردن وفنزويلا وشمال أفريقيا و دول أخرى وأصبحت عملاقا فنيا وإقتصاديا يضارع كبار المقاولين العالميين كشركة
بكتل وفوستر ويلر وآخرين. والسؤال الآن لماذا لا يكون لدينا مائة شركة مثل إنبى؟ لماذا لا نستثمر فى قطاع المقاولات - الذى يعتمد فى الأساس على البشر وننتشر على مستوى العالم بتتبع المشروعات العالمية فى جميع مجالات المقاولات من تشييد و عقارات وطرق وكبارى وسكك حديد ومطارات وسدود وطاقة وكهرباء وتقديم أنسب الأسعار لنفوز بالعديد من هذه المناقصات لنحقق لمصر المليارات من نتاج أبنائها بدلا من الإدعاء بأن الدولة تنفق على الدعم مبالغ طائلة فى حين أنها ممكن أن تعظم وترشد إستخدام هذه الطاقة البشرية لتكون مصدر دائم ومتزايد لجلب الثروات الى مصر.

المثال الثانى هو ما قامت به مجموعة من المصريين العاملين بالسعودية بالتقدم الى الحكومة المصرية لتحقيق الإكتفاء الذاتى من القمح وعرضت على الحكومة تمويل المشروع بمبلغ ثلاثة مليارات جنيه، وقد إستمعت الى أحد القائمين على هذه الشركة وقد صرح بإمكانية تحقيق هذا الإكتفاء فى أقل من سنة من إستلام الأرض إستنادا على أن محصول القمح ينتج خلال خمسة أشهر من بداية زراعته – أنظر الرابط رقم 8.

ونظرا لأن عدد العاملين بالخارج يبلغ ثمانية ملايين مصرى (أى أكثر من تعداد سويسرا وأكثر من تعداد الإمارات والكويت وقطر مجتمعين) ومعظمهم على درجة عالية من العلم والمعرفة وعلى قدر معقول من الدخول المالية فإنهم يستطيعون تمويل العديد من المشروعات الحيوية لمصر وأقترح أن تكون ذات العوائد المرضية حتى تفيد فى تحقيق موارد عالية بالعملة الصعبة لمصر وأفضل هذه المشروعات التى تتزامن مع إكتشافات البترول والغاز الجديدة هى مشروعات البتروكيماويات عالية التقنية التى تحقق أرباحا عالية مقارنة مع غيرها من المشروعات الصناعية

أما المثال الثالث الذى أتمنى أن نحتذى به فهو ما فعلته كوريا فى حقبة السبعينيات حين دخلت سوق المقاولات العالمية بأرخص الأسعار فسحبت هذه المناقصات من الشركات الغربية، وقد ساعدها على خفض تكاليفها أنها إستخدمت فترة التجنيد الإلزامى للجنود فى أن يعملوا فى المقاولات كعمال وفنيين طوال فترة تجنيدهم ، وقد كانوا يحضرون الى الكويت مثلا فى سفينة بها تموينهم وباصاتهم وعدد سرائر يكافئ ثلث عددهم حيث كانوا يقيمون فى السفينة  ويعملون ثلاث ورديات وكانوا لاينفقون أى شيئ فى البلد الذى يقيمون فيه المشروع وعلى هذا قامت كوريا كعملاق إقتصادى على كتف صناعة المقاولات ونحن حاليا لدينا مشكلة كبيرة فى تسريح جنود الأمن المركزى الى بلغ عددهم حوالى مليون وربع مجند : فلماذا لا ينتفع بهم الوطن فى مجال المقاولات كما فعلت كوريا سابقا؟

وكتعليق أخير على موضوع المقاولات فإنه لدينا فرصة كبيرة لإستثمار هذه الإمكانية فى مشروعات إنشاء محطات الطاقة الشمسية لمشروع ديسرتك، وعلى الرغم أن المغرب قد سبقتنا فى الإلتحاق بهذا المشروع (ولا أدرى لماذا تأخرنا عنها) فإن لدينا إمكانيات كبيرة فى قطاع المقاولات ونستطيع إذا التحقنا بهذا المشروع العملاق أن نكتسب الخبرة الإضافية الخاصة بتكنولوجيا الطاقة الشمسية بحيث يكون لنا دور فى إقامة هذه المحطات فى مصر وفى باقى الدول المزمع دخولها فى المشروع وأستطيع الجزم من الأن بأنه خلال عشر سنوات من الأن نكون قد إستحوزنا على تقنيات إنشاء محطات طاقة شمسية كاملة - كما فعلت إنبى فى قطاع البترول- وهذا يعود بالدخل العظيم على مصر.

لن أتحدث هنا عن السياحة والمناخ الرائع وسهولة التضاريس والبعد عن مناطق الكوارث الطبيعية وعبقرية الجغرافيا والمكان فقد تكلم عنها الكثيرون ولكنى أردت أن أعرض فقط لما لم يتكلم عنه أحد لإلقاء الضوء عليه وليعلم الشعب ما لديه من ثروات طبيعية هائلة ليتكون لديه الأمل فى مستقبل أفضل له ولأولاده وأحفاده إن شاء الله.

هل نستطيع بعد هذا العرض البسيط أن ندعى أن مصر بلد فقير محدود الموارد؟
وصدق المثل القديم القائل أن "الفقر ليس فى قلة المال ولكن الفقر فى قلة الحيلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق